قد تصل الأمم إلى حالٍ يندى له الجبين من الفساد المتفاقم، وحين يستيقظ بين الفينة والفينة جمعٌ يرفض الفساد يحاول إصلاح الوضع بمطالبة الهيئات بالإصلاح وتزداد صعوبة مهمةّ الإصلاح بسبب تجذّر الفساد في النفوس التي تكسّبت من هذا الفساد على مرّ الزمن.

دروس التاريخ وعبره تكشف أنّ الفساد ماكان ليتفشّى في أمّةٍ لو لم يكن فيها من يربت على كتف الفساد، يشجّع هذا الفساد، يروّجه، أو على الأقل يصمت عنه ليكون المجتمع بأكمله مسؤولاً عن هذا الفساد والتردّي في القيم أو اتّباع قيمٍ غريبةٍ عن المجتمع وحضارته.

في مجتمعٍ ذكوريٍ يعُدُّ الرجولة عامل النجاح والديمومة الأقوى والرئيس تكبر الأنثى وهي تتمنّى لو أنها وُلِدَت ذكراً، لكنها ومع الخذلان المستمر تتفاجأ عبر السنين أن الغالبيّة العظمى من الرجال ماهم أكثر من مثالٍ لخيبة الأمل في مجتمعهم! ينتهي بها المطاف حامدةً الله أنها وُلِدَت أنثى لأنّ آخر ما تتمنّاه أن تكون خيبة أملٍ لامرأةٍ علّقت الآمال على الرجال بحُكم عُرف وطبيعة ومسلّمات المجتمع الذي ترعرعت عليها.

الكون مبنيٌّ على التوازن والمجتمع المتوازن لا يحتوي على نقاط ضعف أو على الأقل يستطيع إخفاء نقاط الضعف فيه إن كانت مصلحة المجتمع هي مبتغى أفراده. أمّا إن كان المجتمع مؤلّفاً من أفرادٍ يدور العالم حول مصالحهم وراحتهم الشخصية (كنقطة الضعف الرئيسة فيه) فإن أحد النتائج الطبيعيّة أن يؤول به الحال إلى مجتمعٍ تحكمه عصبةٌ من النساء غير المؤهّلة التي تطالب بحريّاتٍ تسلخ عنها أيّ حياءٍ بوصفه معوّقاً لتقدّمها، فينتهي بها المطاف فاقدةً لجوهرٍ ما كان ليبقى لوجهها ماءٌ من دونه.

يقع الناس من الدين في إحدى المجموعات الآتية:

أفرادٌ يفسّرون الدين بما يتماشى مع مصالحهم الشخصية ويجتهدون في إقناع من حولهم بأنّ هذه التفسيرات والتأويلات مبينّة على فتاوى موجودة فعليّاً فينتهي بهم الحال أن يكونوا ضالّين في ذواتهم ومُضلّين لمن حولهم…

أفرادٌ يتبعون الدين نفاقاً لمجتمعٍ لا يمكنهم الانتماء له إلا إذا تظاهروا بالامتثال له فينخدع بظاهرهم العديد من المحيطين بهم وتكون ثُلّة المنافقين هذه فتنةٌ لهم إلى أن تنكشف حقيقة هؤلاء الأفراد لهم…

أفرادٌ يتبنّون الدين ليؤمّن لهم غطاءً خلف صورةٍ اجتماعيةٍ تتحلّى بالأخلاق والفضائل التي تدرؤ عنها أي شبهاتٍ عنهم فيتمكّنوا من الانتفاع من هذه الصورة الاجتماعيّة واستغلال المجتمع المحيط بهم بطرقٍ غير مشروعة وعلى الأغلب ضمنيّة…

أفرادٌ يجمعون خصال المجموعات الثلاث السابقة لينتجوا مسوخاً معدومي الفكر والشخصيّة…

أفرادٌ يجاهدون أنفسهم لاتباع الدين حقّاً وعدم الافتتان بأيٍّ من المجموعات آنفة الذكر واتّقاء شرّ ومكائد المجموعة اللاحقة…

أفرادٌ مدسوسون على المجموعة الأخيرة لمراقبتها وفتنتها وإضلالها وتشويه صورتها…

أفرادٌ يتمرّدون على الدين محاولين التميّز من خلال إظهار أنهم يبحثون عن حقيقةٍ أكثر منطقيّةً فينخرطوا في عالم الكفر ظنّاً منهم أنّهم بذلك لا ينتمون إلى طائفةٍ دينيةٍ متناسينَ أنّ انعدام القيمة يعدّ قيمةٌ في حدّ ذاته.